الأربعاء، 29 يونيو 2016

خمس شمعات


                       
                   
           اليوم سمعت أمي تناديني وحين دخلت إلى الصالة وجدت قالب حلوى مزّين بخمس شمعاتٍ  , وقد استدارت عائلتي حوله ثم بدأوا يغنّونَ لي  : " سنة حلوى يا جميل " , فعرفتُ أني قد أتممت خمس سنوات من عمري .
  لم أعرف حين رأيت تلك الابتسامات من عائلتي إن كان علي أن  أفرح معهم أم أن أبكي كما وجدت خالتي تبكي حين أتمّت الثلاثين من عمرها قبل شهر!

قالت لي أمي والابتسامة تزيّن وجهها أني  قد كبرت وحان وقت دخولي إلى
 " الروضة", ثم طلبوا مني أن أتمنى أمنية قبل أن أطفئ الخمس شمعات ..

لا أدري لما  شعرت بالرّعب حين قالت ليَ أمي أنّي كبرت فأنا دائما أسمع الكبار يقولون " لو أننا بقينا أطفالا" .
 وقفت أمام الخمس شمعات المشتعلة وأنا أشعر أنّي  سأطفِئُ  أجمل خمس سنين في عمري ..!
أو لربما تكون سنين عمري الآتيه أجمل لو يتحقق ما تمنيته , ولعلّ حياتي تكون أجمل من حياة خالتي الّتي دائما تبكي ..!

أغمضّتُ عينيّ وأنا أفكر بأمنياتي :

"_  أمي , أبي , لي أمنية وبيدكم أن تحققوها لي :
أرجوكم حدثوني عن  الله قبل أن  تخبروني أنّ عليّ أنا أطيعه ,  أشرحوا لي معاني أسماءه الحسنى ,  أخبروني أن الله " غفور رحيم " قبل أن تخبروني أن الله "شديد العقاب ",لا تخوّفوني من النار قبل ان تحدثوني عن نعيم الجنّة .
وقبل أن تخبروني أن عليّ الاقتداء بالرسول حدثوني عن خلقه الكريم , قصّوا عليّ سيرته لأخذ منها العبر ..
أخبروني أن الصلاة  سكينة واطمئنان وليست مجرد حركات نؤديها , علموّني أنّ في القرآن ما يقوّم حياتنا .
أجعلوا الإسلام حاضرا في كل حياتنا وأخلاقنا وأفعالنا ولا تجعلوا منه مجرد فروض إن أدّيناها دون أن نفهمها صارت ثقلاً علينا .
علمّوني أن أخجل من الله قبل أن أخجل من الناس , أجعلوا الحرام قبل العيب , حتى لا أخطأ سرّا .

_ معلّمتي قريبا سألتقيكِ :
 أتمنى منك  أن تكوني مربيّة قبل أن تكوني معلمّة , و إذا رأيتيني لا أجيد حلّ مسألة فلا تحكمي عليّ بالغباء ,وتتسببي لي بعقدة .
و لا تزرعي فينا أن الذكاء هو فقط الذكاء المنطقيَ , ولا تزرعي فينا أننا حين نكبر إمّا أن نكون أطباء ومهندسين وإمّا أن لا نكون شيئ.

_ مجتمعي و جيراني:
 أتمنى منكم أن لا تكونوا " أبراج مراقبة" وأن لا تتدخّلوا في أمورٍ لا تعنيكم , حتى لا أسمع من أمي ما تقوله جدتي لخالتي :
" شو بدهم يحكوا الناس"

_ الرجال الذين سألتقيكم حين أكبر :
أتمنى أن لا تكونوا " كلاب ضالة " تريد أن تنهش أي أنثى تمرّ في طريقها , وأن لا تُسمِعوننا  " معاكسات " سخيفة حين تجمعنا بكم الشوارع.

أقاربي ومعارفي :
_ أتمنى منكم حين أتمّ الثامنة عشر من عمري أن لا تحاولوا خطبتي  لابنكم الذّي تريدونه أن " يتزوج ليصبح عاقلا".

_ زميلتي التي سألتقيها في الجامعة  :
 بعد سنين سأكبر وألتقي بكِ , أتمنى منك أن لم تحبيني أن تكتفي بالسلام عليّ إن شئت وأن لا تدّعي الحب أمامي ثم تشتميني حين أديرُ ظهري .

_ زميلي الذي سألتقيه  في الجامعة:
 أتمنى منك أن لا تفسّر كل نظرة قد تصلك دون قصد  مني أنها محاولة للتعبير عن إعجابي بك .

_ أستاذي الذي سيدرّسني في الجامعة :
 أتمنى منك أن تعلم أن حصولك على شهادة الماجستير أو الدكتوراه يعني أنك تأهلت  أن تصبح مدرسا جامعيا ,
ولا يعني أنّك تأهلت لتهين و تحقّر أي طالب لا يعجبك .
كما أتمنى منك أن تعلم أن تحصيلي الأكاديمي  ليس هو الوسيلة التي تحكم بها عليّ.

وأخيرا إلى من سيكون زوجي :
أتمنى منكِ أن لا تأتِ للزاوج مني إلاّ بعد أن تتأكد أنّك تجاوزت مرحلة المراهقة وبلغت السنّ الذي يُؤهلك أن تكون زوجا وأبا .
 وأن لا تأتِ إلاّ بعد أن تدرك حقاً معنى الزواج وتتعلم كيفية التعامل مع شريك الحياة , وتربية الأبناء , وأن لا تأتِ إلاّ بعد أن تكون قد أصبحت "عاقلاً لتتزوج "................
                                                                 
                                                                    فرح أحمد

هناك 4 تعليقات:

  1. جميلة و معبرة ، مبارك الموقع أيتها الكاتبة ، تنمياتي لكِ بالتوفيق .

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا أستاذ فراس :)
      الله يبارك فيك

      حذف
  2. ايتها الآنسه الجميلة الروح...قشعر بدني من كلامك الرائع و تفكيركي الراقي..بوركتي حبيبتي

    ردحذف