الخميس، 30 يونيو 2016

اصعد سلم الثقة بالنفس






             
 
 إنّ الثقة بالنفس هي القوة الكامنة بداخل كل منّا و التي تحرّكنا وتدفعنا للقيام بكل ما نتمناه , وإذا بحثنا عن تعريف علمي للثقة بالنفس فإننا سنجد في كتب علماء النفس تعريفات علمية كثيرة , ولو أردت أن أعرّف الثقة سأقول أنها :  إحساسنا بقيمة أنفسنا بين الآخرين والتصرف دون خوف من آرائهم فينا , ولو أردت الإيجاز أكثر سأقول إنها " تقبّل النفس " , فتقبل النفس هو السر الكامن وراء أحساسنا بالثقة العالية بأنفسنا .

ونظرا لأهمية الثقة بالذات فقد شبهها البعض " بالعمود الفقري للإنسان ",   فالثقة تمكّن الإنسان من السير في طريق تحقيق أهدافه دون الاكتراث أو التأثر بآراء الآخرين السلبية عنه وإحباطاتهم له ,  وبالثقة يستطيع الإنسان تحديد نقاط قوته ومعرفة قدراته واستغلالها .

إن ضعف الثقة بالنفس من أخطر المشاعر التي قد تتسلل إلى الإنسان , فتجلعه يشّك في قدرته على إنجاز أي شيئ , وتحط من قيمته وتشعره بأن الآخرين أفضل منه , وتجعله يعيش في خوف شديد من كل شيئ.

وإذا كان ضعف  الثقة بالنفس مشكلة فأنه من المؤكد أن هناك أسباب أدت إلى انعدامها , ومن هذه الأسباب :


1. الشعور بالنقص :
وغالبا ما يعود النقص إلى  أثر مرحلة الطفولة على الإنسان , كأن  يتعرّض الطفل  إلى الحرمان من شيئ معين " حاجة أساسية " , أو قد يكون سببها كثرّة مقارنة الطفل مع غيره , وتوجيه رسائل سلبيه له .

2. الشعور بصغر الذات :
أن يعتقد الإنسان أنه ضعيف و غير قادر على تحقيق أي أنجاز , وأنه إنسان بلا قيمة ولا يستحق أي شيئ.

3. توجيه رسائل سلبية إلى الذات :
أن يفكر الإنسان ويتحدث إلى نفسه بطريقة سلبية  , كأن يقول في نفسه " أنا فاشل , أنا لا أستحق , انا غير قادر ...."

4. كثرة المقارنات :
 مقارنة النفس مع الآخرين والشعور بأنهم أفضل منه.

5. البرمجة السلبية السابقة :
الأفكار والمعتقدات السلبية التي قد كوّنها الإنسان عن نفسه والتي ما زالت تسيطر عليه .

6. التأثر بآراء الاخرين فيك :
 التأثر بآراء الآخرين والإصغاء إلى انتقاداتهم السلبية وتصديقها .

حلول لزيادة الثقة بالنفس :

1. قيّم قدراتك وما تملك بأمانة حتى تقتنع أنك لست مهزوم إلى هذا الحد :
*عالج نقاط ضعفك
* حافظ على نقاط قوّتك .

2. تصّرف كما لو :
تصرّف كما لو أنك قادر على تحقيق ما تظنّ نفسك غير قادر عليه .

وهنا أستذكر مقولة  فرانكلين روزفلت :
_ عليك أن تفعل الأشياء التي تعتقد أنه ليس باستطاعتك أن تفعلها..

3. واجه خوفك :
أفعل الأشياء التي تخاف أن تفعلها .

4.  حافظ على مظهرك الخارجي :
حاول أن تكون مرتبا وجميلا في لباسك ومظهرك الخارجي واختر الملابس الّتي تفضّلها أنت والّتي تناسبك وأنت  وليس التي يفضّلها الآخرون.

5. " الحل الأقوى" :
إن الحل الأقوى للتغلب على مشكلة ضعف الثقة بالنفس وهو أن تستشعر كمال الله وعظمته وأنه دائما معك ويقوّيك .
وهذا ما نراه في قصة أم سيدنا موسى عليه السلام حين وثقت بالله لما جاءها أمر من الله :
قال تعالى :
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. ))
_ سورةالقصص 7

فكان جزاء أم موسى :قال تعالى : ((فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))
_القصص 13
.

"سُلّم الثقة بالنفس" : 
إن أول درجة تهيئك لصعود سلم الثقة بالنفس هي أن :
"تسامح نفسك " فإذا سامحت نفسك استطعت أن تنعم بالسلام الداخلي والراحة النفسية .
وهنا يجب ان تعلم أن أي شيئ قمت به في الماضي  كان أفضل أختيار لديك لتقوم به في ذلك الوقت, ولهذا سامح نفسك ...

أمّا الدرجة الثانية فهي " أن تتقبل نفسك " , إن تقبل النفس يأتي قبل التقدير الذاتي , فحتى تستطيع ان تقدّر ذاتك وتحبها عليك أن تتقلبها أولا كما هي , وان ترضى بهيئتك التي خلقك الله عليها .
كما عليك ان تتقبل أنك انسان يخطئ ولديه عيوب حتى تتمكن من تصحيح أخطائك والتخلّص من عيوبك .




أما الدرجة الثالثة  فهي " قدر نفسك " أن التقدير الذاتي هو إحساسك ومشاعرك تجاه نفسك والطريقه التي ترى فيها نفسك .
أن تقدّر نفسك يعني أن تعطيها حق قدرها وتحبّها وأن لا تحط من قيمتها أبدا,
 وأن تغيّر من نظرتك السلبية إلى نفسك  وترسم لنفسك الصورة التي تتمناها .

يقول باولو كويلو :ما يعتقده الآخرون عنك ليس من شأنك ،
 لكن ما تعتقده عن نفسك هو شأنك مدى الحياة .
وأخيرا فالدرجة الرابعة هي " طوّر نفسك "
لا شيئ يشعر الإنسان بالثقة كالإنجازات حتى لو كانت بسيطة ,وهنا عليك ان تحدد عليك أهداف يومية  وتعمل على إنجازها ,وان تحدد هدفك في الحياة وتمضي في طريق تحقيقه.

أقوال في الثقة بالنفس :

"من وثق بنفسه لا يحتاج الى مدح الناس اياه ، و من طلب الثناء فقد دلّ على ارتيابه في قيمة نفسه"
_ د.ابراهيم الفقي



"الثقة بالنفس عادة يمكن أن تنمّيها عبر التصرف كما لو كنت تملك بالفعل الثقة التي ترغب فى الحصول عليها"
_  براين تريسي
"ثق بنفسك، فكر بنفسك، اعمل لنفسك، تكلم لنفسك، وكن لنفسك، التقليد هو انتحار"
_ مارفا كولتر 


"ربما لم يعلق الآخرون آمالا عريضة على ولكني كنت أعلق آمالا عريضة على نفسي"
_ شارلي شابلن
.

وأخيرا تذكر أن عليك تغير ما بداخلك حتى تستطيع تغير الظاهر ...

                               * جزء من الورشة التدريبية : قوة الثقة والتحفيز الذاتي 
                                                                       المدربة : فرح أحمد



الأربعاء، 29 يونيو 2016

خمس شمعات


                       
                   
           اليوم سمعت أمي تناديني وحين دخلت إلى الصالة وجدت قالب حلوى مزّين بخمس شمعاتٍ  , وقد استدارت عائلتي حوله ثم بدأوا يغنّونَ لي  : " سنة حلوى يا جميل " , فعرفتُ أني قد أتممت خمس سنوات من عمري .
  لم أعرف حين رأيت تلك الابتسامات من عائلتي إن كان علي أن  أفرح معهم أم أن أبكي كما وجدت خالتي تبكي حين أتمّت الثلاثين من عمرها قبل شهر!

قالت لي أمي والابتسامة تزيّن وجهها أني  قد كبرت وحان وقت دخولي إلى
 " الروضة", ثم طلبوا مني أن أتمنى أمنية قبل أن أطفئ الخمس شمعات ..

لا أدري لما  شعرت بالرّعب حين قالت ليَ أمي أنّي كبرت فأنا دائما أسمع الكبار يقولون " لو أننا بقينا أطفالا" .
 وقفت أمام الخمس شمعات المشتعلة وأنا أشعر أنّي  سأطفِئُ  أجمل خمس سنين في عمري ..!
أو لربما تكون سنين عمري الآتيه أجمل لو يتحقق ما تمنيته , ولعلّ حياتي تكون أجمل من حياة خالتي الّتي دائما تبكي ..!

أغمضّتُ عينيّ وأنا أفكر بأمنياتي :

"_  أمي , أبي , لي أمنية وبيدكم أن تحققوها لي :
أرجوكم حدثوني عن  الله قبل أن  تخبروني أنّ عليّ أنا أطيعه ,  أشرحوا لي معاني أسماءه الحسنى ,  أخبروني أن الله " غفور رحيم " قبل أن تخبروني أن الله "شديد العقاب ",لا تخوّفوني من النار قبل ان تحدثوني عن نعيم الجنّة .
وقبل أن تخبروني أن عليّ الاقتداء بالرسول حدثوني عن خلقه الكريم , قصّوا عليّ سيرته لأخذ منها العبر ..
أخبروني أن الصلاة  سكينة واطمئنان وليست مجرد حركات نؤديها , علموّني أنّ في القرآن ما يقوّم حياتنا .
أجعلوا الإسلام حاضرا في كل حياتنا وأخلاقنا وأفعالنا ولا تجعلوا منه مجرد فروض إن أدّيناها دون أن نفهمها صارت ثقلاً علينا .
علمّوني أن أخجل من الله قبل أن أخجل من الناس , أجعلوا الحرام قبل العيب , حتى لا أخطأ سرّا .

_ معلّمتي قريبا سألتقيكِ :
 أتمنى منك  أن تكوني مربيّة قبل أن تكوني معلمّة , و إذا رأيتيني لا أجيد حلّ مسألة فلا تحكمي عليّ بالغباء ,وتتسببي لي بعقدة .
و لا تزرعي فينا أن الذكاء هو فقط الذكاء المنطقيَ , ولا تزرعي فينا أننا حين نكبر إمّا أن نكون أطباء ومهندسين وإمّا أن لا نكون شيئ.

_ مجتمعي و جيراني:
 أتمنى منكم أن لا تكونوا " أبراج مراقبة" وأن لا تتدخّلوا في أمورٍ لا تعنيكم , حتى لا أسمع من أمي ما تقوله جدتي لخالتي :
" شو بدهم يحكوا الناس"

_ الرجال الذين سألتقيكم حين أكبر :
أتمنى أن لا تكونوا " كلاب ضالة " تريد أن تنهش أي أنثى تمرّ في طريقها , وأن لا تُسمِعوننا  " معاكسات " سخيفة حين تجمعنا بكم الشوارع.

أقاربي ومعارفي :
_ أتمنى منكم حين أتمّ الثامنة عشر من عمري أن لا تحاولوا خطبتي  لابنكم الذّي تريدونه أن " يتزوج ليصبح عاقلا".

_ زميلتي التي سألتقيها في الجامعة  :
 بعد سنين سأكبر وألتقي بكِ , أتمنى منك أن لم تحبيني أن تكتفي بالسلام عليّ إن شئت وأن لا تدّعي الحب أمامي ثم تشتميني حين أديرُ ظهري .

_ زميلي الذي سألتقيه  في الجامعة:
 أتمنى منك أن لا تفسّر كل نظرة قد تصلك دون قصد  مني أنها محاولة للتعبير عن إعجابي بك .

_ أستاذي الذي سيدرّسني في الجامعة :
 أتمنى منك أن تعلم أن حصولك على شهادة الماجستير أو الدكتوراه يعني أنك تأهلت  أن تصبح مدرسا جامعيا ,
ولا يعني أنّك تأهلت لتهين و تحقّر أي طالب لا يعجبك .
كما أتمنى منك أن تعلم أن تحصيلي الأكاديمي  ليس هو الوسيلة التي تحكم بها عليّ.

وأخيرا إلى من سيكون زوجي :
أتمنى منكِ أن لا تأتِ للزاوج مني إلاّ بعد أن تتأكد أنّك تجاوزت مرحلة المراهقة وبلغت السنّ الذي يُؤهلك أن تكون زوجا وأبا .
 وأن لا تأتِ إلاّ بعد أن تدرك حقاً معنى الزواج وتتعلم كيفية التعامل مع شريك الحياة , وتربية الأبناء , وأن لا تأتِ إلاّ بعد أن تكون قد أصبحت "عاقلاً لتتزوج "................
                                                                 
                                                                    فرح أحمد

الاثنين، 27 يونيو 2016

هل يصبحُ الوطن حلما ؟!



  

   

     هل يُصبح الوطن حُلماً , أو خيالات نَهذي بها بين الحين والآخر ؟
وأيهما  يا ترى يكون أصعب أن تولد بعيداَ عن الوطن الذي يشير كل  شيئ فيك أنّك تنتسب إليه ؟
أم أن تُولد في وطنك ثم تجد نفسك تشيب بعيدا عنه ولم يبقى لك منه سوى ذكريات طفوليّة برائحة خبز جارتك َ العجوز التي ماتت حزناً  وهي تحتضن مفاتيح منزلها الّذي سلبوها إياه؟!

كانت هذه الأسئلة تتبادر إلى ذهني وأنا جالسة مع الحاجة بيسان التي أخبروني أنها قد " خرفنت" وباتت تهذي بكلمات وجمل غير مترابطة كلها عن فلسطين وعن "أبو أسامة " .
 قبل أن ألتقيَ بها كنت أظن أنّ الشَيب يمحو مع سواد شعرنا أوجاعنا , ولكنني اكتشفتُ أن هناك أوجاعاً تُحفر في ذاكرتنا إلى أخر أيام عمرنا .
مازلت أذكر  بعض تلك الوصايا والكلمات التي قالتها لي بلهجةٍ فلسطينيّة ما استطاعت كل السنين أن تغيّرها :



_
" بس تتحرّر فلسطين بدي تبوسيلي ترابها وتخبريها أنه في ختيارة كانت عايشة تستنى اليوم الّي ترجع في على بلدها, لا تنسي تروحي على " نابلس" جنة فلسطين..
واسهري على بحر غزة هوا الشط برد الروح..
أيام البلاد كنا نروح على غزة زي ما  بدنا ..... قبل ما يستشهد أبو أسامة" ..
أخذ الحوار يتقلّب شمالا ويمينا ,و بدأت الدموع تتلألأ في عينيّ وأنا أرى عجوزا
فلسطينيةً مرة تصف لي فلسطين , ومرة تخبرني عن  أيام خطوبتها هي و أحمد " أبو أسامة" ، 
ومرة تخبرني كيف تلقّت خبر استشهاده ..
أخبرتني عن تفاصيل نكبتنا , وعن مصاعب الحياة في المخيمات ...وفي نهاية الحوار , سألتني مرة أخرى: 
_ شو حكيتيلي أسمك يا بنتي!؟
فأدركت هنا , أنّ اللاجىء مهما بلغ من الكبر ومهما خانته ذاكرته ,
لا ينسى تفاصيل الوطن , ولا قصة حبه العذريّ التي نشأت على أرض فلسطين ..
ولا أين خَبَّأ مفاتيح منزله إلى يوم العودة...


                                                           فرح أحمد